المهداوي وتسريب اجتماع لجنة الأخلاقيات: بين البحث عن الإنصاف… أم فتح أبواب مواجهة بلا حدود؟

أثار نشر الصحفي حميد المهداوي لما وصفه بـ“تسريب اجتماع مغلق” للجنة الأخلاقيات التابعة للجنة المؤقتة للصحافة، ضجة واسعة داخل الوسط الإعلامي المغربي، وفتح نقاشاً محتدّاً حول حدود حرية الصحافة، وسرية المساطر، والخلط بين المطالبة بالإنصاف وبين تأجيج صراع مفتوح مع مؤسسات المهنة ذاتها.
أولاً: السياق… ملف تأديبي وكلمة «سلكوط» التي أشعلت الأزمة
القضية بدأت حين كانت اللجنة المؤقتة تبتّ في ملف تأديبي يهم الصحفي المهداوي، بسبب لفظٍ صدر عنه في بث مباشر، اعتبرته اللجنة مسيئاً ومخلاً بآداب المهنة. الكلمة – “سلكوط” – رغم بساطتها، خضعت لتأويلات متعددة، لكنّ اللجنة تعاملت معها ضمن إطارها الأخلاقي والتنظيمي.
غير أنّ المفاجأة جاءت حين نشر المهداوي شريطاً يتضمن حديثاً داخلياً لأعضاء اللجنة، قيل إن أحدهم استعمل المصطلح نفسه أو ما شابهه خلال المداولة. وهو ما اعتبره المهداوي دليلاً على “التحامل” ضده.
ثانياً: الخيارات القانونية التي لم تُستثمر
من الناحية القانونية، كان بإمكان المهداوي – فور توصله بهذه الأشرطة – أن يتوجه مباشرة إلى رئاسة النيابة العامة لفتح تحقيق حول احتمال وجود إساءة صادرة عن عضو أو أكثر من اللجنة، إن ثبت ذلك فعلاً. فالقانون يمنح أي متضرر الحق في فضّ هذا النوع من النزاعات عبر المؤسسات المختصة، بدل اللجوء إلى التشهير أو الترويج لتسجيلات ذات طابع سري.
لكنّ المهداوي اختار طريقاً آخر: نشر التسجيل كاملاً على منصة “يوتيوب”، رغم أن القانون يجرّم تسريب أو نشر مداولات اللجان التأديبية المغلقة لأنها تعتبر ضمن “سرية المسطرة” التي لا يجوز تدوالها إلا بين الأطراف المخوّل لها قانوناً.
وهنا “انقلب السحر على الساحر”: بدل أن يستفيد من وضعية “المتضرر”، وجد نفسه في موقع من قد يكون “مخالفاً للقانون”.
ثالثاً: هل الهدف الإنصاف… أم توسيع رقعة المواجهة؟
من خلال مسار الأحداث، يبدو أنّ المهداوي يخلط بين مطلب “الإنصاف المهني” وبين الرغبة في فتح جبهات صراع متعددة مع كل مؤسسة تختلف معه. فاللجوء إلى الرأي العام والضغط عبر المنصات الرقمية يرادف – في نظر كثيرين – خروجاً عن قواعد ضبط النفس المطلوبة في لحظات النزاع.
في ظل هذا السلوك التصعيدي، يصبح السؤال مشروعاً:
هل يبحث المهداوي عن حقوقه كصحفي… أم يدفع نفسه نحو مواجهة غير محسوبة مع الجميع؟
رابعاً: التأثير على الأسرة والبيئة الاجتماعية… ثمن لا يُحتسب
وراء كل صراع علني، توجد أسرة تتابع بقلق تداعيات المواجهات المفتوحة، وتتحمل تبعات نفسية واجتماعية ثقيلة. فالتصريحات الانفعالية، والخروج المتكرر عبر فيديوهات ، والاصطدام الدائم مع المؤسسات… كلها عوامل تنعكس أولاً على المحيط القريب قبل أن تصل إلى الرأي العام.
كثيرون ممّن تعاطفوا سابقاً مع المهداوي اليوم يتساءلون بصراحة:
هل تستحق المعارك الجانبية أن يُزجّ بالأسرة في دوامة قلق لا نهاية لها؟
خامساً: الفتنة أشدّ من القتل… والحكمة مطلوبة أكثر من أي وقت
إثارة الرأي العام ضد مؤسسات قائمة، وتوجيه الخطاب بطريقة حادة تزرع الشك وانعدام الثقة، قد يخلق أجواءً من “الفتنة الإعلامية” أكثر مما يخلق مساراً للإصلاح. فالاعتماد على ردود الفعل الانفعالية لا يصنع حقاً ولا ينصف أحداً، بل يدفع نحو مشهد مهني أكثر توتراً وانقساماً.
والأخطر أنّ المهداوي – إن استمر بهذا النهج – قد يجد نفسه وحيداً وسط أمواج عالية، بعدما تنفضّ عنه الأيادي التي كانت سنداً له في فترات سابقة.
خلاصة تحليلية
قضية “تسريب اجتماع لجنة الأخلاقيات” ليست فقط خلافاً مهنياً، بل هي نموذج للحظة تتقاطع فيها:
القانون الذي يمنع تسريب الاجتماعات المغلقة؛
الأخلاق المهنية التي تفرض سلوكاً رشيداً؛
الحسابات الشخصية التي تجرّ أطرافاً كثيرة إلى معارك لا تخصها.
الحكمة تقتضي أن يعود المهداوي إلى المساطر القانونية بدل إشعال مزيد من الحرائق، لأنّ حقوق الصحفي تُنتزع عبر المؤسسات، لا عبر منصات التصعيد.
وفي النهاية، يبقى السؤال المفتوح:
هل يراجع المهداوي مساره قبل أن تتقاذفه الأمواج… أم سيستمر في السير نحو عزلة يصنعها بنفسه؟
شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد