الاجتماع الـ93 للجمعية العامة للإنتربول في مراكش — مقال تحليلي

بقلم: حسن الخلقي
انطلقت في مراكش من 24 إلى 27 نوفمبر 2025 أشغال الدورة الـ93 للجمعية العامة لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية (INTERPOL)، في حدث دولي ضخم جمع قيادات أمنية من دول العالم لمواجهة تهديدات عصابات الجريمة المنظمة، الجرائم الإلكترونية، الاتجار بالبشر، وغسيل الأموال وغيرها من ظواهر الجريمة العابرة للحدود. هذا التجمع السنوي يعد الإطار الرسمي الأعلى لاتخاذ قرارات المؤسسة واعتماد استراتيجياتها وميزانيتها للفترة المقبلة، وقد تميزت دورة مراكش بطابع عملي وتركيز كبير على تحديث أدوات التعاون الشرطي العالمي.
أولويات ونقاط محورية نوقشت
في مراكش ركزت الجلسات واللجان على محاور متمحورة حول:
تحديث قدرات الإنتربول في مواجهة الجريمة المنظمة العابرة للحدود وتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية.
مكافحة مراكز الاحتيال (scam centres) وتفكيك الشبكات التي تستغل الهويات والمنصات الرقمية للاحتيال على المواطنين والشركات.
تعزيز قدرة المنظمة في قضايا الأمن السيبراني والدعوة إلى تسريع تصديق الدول على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة الإلكترونية.
قضايا الحوكمة داخل المؤسسة: الانتخابات للمناصب التنفيذية، ومبادرات لزيادة تمثيل المرأة في السلطات الشرطية، وتقييم مشاريع تجريبية مثل «الـSilver Notice».
هذه الأولويات تعكس انتقائية واضحة لمواجهة الطبيعة الرقمية والمعولمة للجريمة اليوم، وتُظهر تحولاً عملياً في تركيز الإنتربول من العمل على قضايا ضبط الحدود التقليدية إلى أدوات استباقية رقمية وقانونية.
الحضور والمقام: قوة رمزية وعملية للمغرب
حضور حوالي ثمانمئة مندوب من نحو مائة وسبعين إلى مائة وستين دولة وقيادات شرطية رفيعة المستوى أكسب الاجتماع قوة تنفيذية وحجماً سياسياً ملموساً، وعزز من مكانة المغرب كمنصة لاستضافة حوار أمني متعدد الأطراف. انعقاد الجمعية في المغرب لم يكن مجرّد حدث لوجستيّ، بل رسالة بأن المملكة تُعد شريكاً فاعلاً وبيئة مواتية للتعاون الإقليمي والدولي في قضايا الأمن.
دور المغرب ومساهماته العملية
مراكش لم ترحّب فقط بالمشاركين، بل عرضت تجربة أمنية متكاملة حاولت إبراز آليات المغرب في:
التكامل بين أجهزة الأمن، القضاء، والإدارات المعنية لتعقب الشبكات الإجرامية؛
تحديث آليات المراقبة الرقمية والتعاون في تبادل الأدلة الرقمية؛
استضافة برامج تدريبية ومبادرات تقنية تهدف إلى رفع قدرات دول أفريقية وإقليمية في مجال الأمن الإلكتروني ومكافحة الاتجار.
هذه النقاط لُفّت في كلمات الافتتاح وعروض المملكة خلال أشغال الجمعية، ما جعل المغرب يقدم نفسه كنموذج عملي للتعاون الأمني متعدد الأطراف.
عبد اللطيف الحموشي: القيادة والمبادرات
برز اسم المدير العام للأمن الوطني والمراقبة الترابية، عبد اللطيف الحموشي، كشخصية محورية في استضافة الجمعية وفي الخطاب العام حول التعاون الأمني. في كلمته الافتتاحية ومدخلاته، شدّد الحموشي على ضرورة تحصين التعاون الدولي، وتقديم دعمٍ عملي لآليات الإنتربول في مواجهة التهديدات الرقمية والعابرة للحدود. كما ترأس الحموشي وفد المملكة وشارك في لقاءات ثنائية مع عدة دول لتعميق شراكات استخباراتية وشرطية. حضور شخصي بمثل هذا المستوى أعطى للمؤتمر صبغة تنفيذية ومسؤولية على البلد المضيف في متابعة نتائج الجمعية.
إنجازات مرشحة ومخرجات متوقعة
من المؤتمر في مراكش يُتوقع أن تخرج قرارات ومبادرات عملية، منها:
اعتماد استراتيجيات جديدة لتتبع وتفكيك مراكز الاحتيال وتبادل أدلة رقمية بصورة أسرع بين الدول؛
دفع جهود توسيع قدرات الإنتربول التكنولوجية ومواردها لدعم تحقيقات التحايل والجرائم السيبرانية؛
دعم برامج بناء القدرات للدول التي تفتقر إلى بنى تقنية وقضائية قوية لمواكبة الجرائم الرقمية؛
نتائج انتخابية وتعيينات لمجلس تنفيذي جديد قد تؤثر في أولويات الإنتربول للخمس سنوات المقبلة.
تلك المخرجات، إن نُفذت فعلياً، ستزيد فعالية التعاون الدولي وتضعّف المنافذ التي تستغلها العصابات العابرة للحدود.

 

 

تقييم نقدي: بين الثناء والالتزامات التنفيذية
لا بد من ملاحظة أن الاجتماعات السنوية تُنتج غالباً قرارات إطارية جيدة لكنها تحتاج إلى متابعة تنفيذية متينة على مستوى الدول الأعضاء. نقاط يجب مراقبتها بعد مراكش:
1. ترجمة القرارات التقنية (مثلاً تبادل البيانات الإلكترونية) إلى آليات عملية ومتوافقة مع حماية الحقوق الأساسية لكل الدول
2. تمويل مناسب لمشاريع بناء القدرات خصوصاً في دول العالم النامي التي تُعد مناطق عبور وموطئاً للشبكات الإجرامية.
3. مؤشرات قياس واضحة تتابع تفكيك الشبكات المنظمة وفعالية التعاون بعد 6-12 شهراً.
إذا التزمت الدول، وخصوصاً الفاعلون الرئيسيون كالمغرب، بالمتابعة والتعاون القضائي والشرطي الحقيقي، فستكون مراكش محطة فارقة في تطوير عمل الإنتربول.
التنويه بمجهودات الإنتربول والمغرب
منظمة الإنتربول تظل اليوم الأداة الأكثر فاعلية لتنسيق استجابة الشرطة عبر الحدود—بتوفير قواعد بيانات عالمية، إشارات (Notices)، وأدوات تقنية مساعدة للتحقيقات العابرة للحدود. جهودها في تحديث أدواتها وتعزيز التعاون بين الدول تُعدّ عاملاً حاسماً في الحد من نشاطات الجريمة المنظمة الحديثة. في هذا السياق، تستحق المنظمة التنويه على عملها المستمر لربط أجهزة الأمن الوطنية وتقديم خدمات استخباراتية تقنية مهمة.
كما يستحق المغرب، وعلى رأسهِ عبد اللطيف الحموشي، الثناء على قدرة المملكة على استضافة حدث بهذه الأهمية وتوفير مناخ للتشاور وبناء الشراكات الأمنية. هذه الاستضافة تُظهِر التزام الدولة بالمبادرات الأمنية متعددة الأطراف واستعدادها للعب دورٍ قيادي في المنطقة.
خاتمة وتوصيات عملية
مراكش 2025 هي أكثر من اجتماع بروتوكولي — هي منصة لاختبار جدارة آليات التعاون الدولي في مواجهة جرائم القرن الحادي والعشرين. لضمان أن تؤول القرارات إلى نتائج ملموسة، أقترح ما يلي عملياً:
إنشاء آلية متابعة إقليمية تقودها دول مضيفة (مثل المغرب) مع تقارير ربع سنوية تُعرض على الإنتربول؛
تخصيص صندوق تقني لبناء قدرات التحقيق الرقمي للبلدان الأفقر ليبلغها منافع قرارات الجمعية؛
تبني خارطة طريق للتعاون ثنائي أسرع (fast-track) لتبادل الأدلة الرقمية بين بلدان تواجه شبكات احتيال منظمة؛
قياس أثر القرارات عبر مؤشرات أداء واضحة (عدد الشبكات المفككة، عدد القضايا المحالة، زمن تبادل الأدلة).
إذا وُفّق في تنفيذ هذه التوصيات، فسيبقى اجتماع مراكش علامة فارقة في تطوير المنظومة العالمية لمكافحة الجريمة، وستكون مساهمة المغرب بقيادة عبد اللطيف الحموشي جزءاً بارزاً من هذا الإنجاز.
شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد