مقال تحليلي: مواقف لا تغيّر الوقائع… ومغرب واثق من مساره في ملف الصحراء

عاد النقاش داخل بعض الأوساط السياسية الإسبانية ليطرح مواقف أحزاب صغيرة، سواء ذات مرجعية  يسارية قومية، حول قضية الصحراء المغربية، وهي مواقف تتبنى – بصيغ متفاوتة – أطروحة البوليساريو، وترفض الاعتراف بالتحول السياسي الكبير الذي شهدته مدريد خلال حكومة الحزب الاشتراكي العمالي، حين أعلنت دعمها الواضح لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية وفق توصيف الأمم المتحدة.

الأحزاب المعنية مثل سومار واليسار الجمهوري الكتالوني والوطني الباسكي (PNV) وEH Bildu تحاول التعبير عن رؤى أيديولوجية داخلية مرتبطة أساسًا بنقاشات الانفصال في كتالونيا والباسك، أكثر من ارتباطها بملف الصحراء نفسه. ومن الطبيعي أن يكون لمثل هذه التوجهات حضور في النقاش العام الإسباني، غير أن تأثيرها على توجهات الدولة الاستراتيجية يبقى محدودًا للغاية.

1. احترام تعدد الآراء… دون تضخيم حجمها

من واجب الدبلوماسية الرصينة احترام مختلف الحساسيات السياسية داخل الدول الصديقة، لكن من الواجب أيضًا التأكيد على أن المغرب لا يتأثر بهذه المواقف الرمزية، التي تبقى جزءًا من النقاش الداخلي الإسباني أكثر مما هي مواقف مؤثرة في العلاقات الثنائية أو في مسار النزاع.

ومع إدراك المغرب لتنوع المشهد السياسي في إسبانيا، فإنه يدرك أيضًا أنّ سياسة الدولة في مدريد، كيفما كان لون الأغلبية، تُبنى على الواقعية الاستراتيجية لا على الشعارات الأيديولوجية.

2. دعم دولي متنامٍ… وواقع لم يعد قابلاً للالتفاف

اليوم، المبادرة المغربية للحكم الذاتي لم تعد مجرد رأي ضمن آراء، بل أصبحت الإطار الوحيد الذي يحظى بثقة القوى الكبرى، من الولايات المتحدة إلى الدول الأوروبية المؤثرة، مرورًا بعدد كبير من الدول العربية والإفريقية.

هذا التحول يجعل أي خطاب معارض داخل إسبانيا، مهما كان قدره، غير قادر على تغيير اتجاه التيار الدولي.

3. إلى الحزب الشعبي الإسباني: المسؤولية لا تشبه المعارضة

التطور الأخير في خطاب الحزب الشعبي الإسباني يعكس رغبة مفهومة في تسجيل نقاط انتخابية، لكن المبدأ الذي أثبتته تجارب الحكومات السابقة، بما فيها حكومة ماريانو راخوي، هو أن التعامل مع المغرب لا يُدار بمنطق الحسابات الانتخابية، بل بمنطق المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي.

وإذا وصل الحزب الشعبي إلى السلطة، سيجد نفسه أمام المعطيات نفسها التي واجهتها الحكومة الاشتراكية، أي أمام حقيقة واحدة:
مبادرة الحكم الذاتي ليست خيارًا مغربيًا فقط، بل هي خيار المجتمع الدولي ككل.

4. الرسالة إلى القوى الصغيرة في إسبانيا

من حق الأحزاب الصغيرة التعبير عن مواقفها كما تشاء، لكن من الضروري تذكيرها بأن النقاشات الداخلية لا تغيّر الحقائق الإقليمية والدولية. فالمغرب بلد ذو مؤسسات مستقرة، ورؤية واضحة، وشراكات استراتيجية قوية، لا يمكن لبيانات سياسية محدودة التأثير أن تمسّ مساره.

ولذلك، فهذه المواقف المعاكسة، مهما علت حدتها، لا تُربك المغرب ولا تغير قناعات شركائه الدوليين بأي شكل من الأشكال.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد