يشهد المشهد السياسي الوطني خلال الأسابيع الأخيرة دينامية متزايدة، تقودها التجمعات التحسيسية التي ينظمها حزب التجمع الوطني للأحرار عبر عدد من جهات المملكة، في إطار مقاربة تواصلية يعتبرها الحزب “نوعية” و“مبنية على أسس علمية”. وتهدف هذه اللقاءات إلى شرح حصيلة العمل الحكومي، وتقويم السياسات العمومية المنفذة خلال الولاية الحالية، وخاصة في الشقين الاجتماعي والاقتصادي، مع استشراف رهانات المرحلة المقبلة.

تواصل مباشر مبني على المعطيات
تقوم هذه التجمعات على تقديم قراءة تحليلية لبرامج الحكومة التي يقودها الحزب منذ 2021، وعلى رأسها برامج الدعم الاجتماعي التي انطلقت في نسختها الجديدة، وبرامج الحماية الاجتماعية التي تشكل رهاناً استراتيجياً للدولة. ويعرض قادة الحزب خلال هذه اللقاءات أرقاماً ومعطيات يعتبرونها مؤشراً على نجاعة هذه السياسات، من قبيل توسيع دائرة المستفيدين، وتجويد آليات الاستهداف، وتقليص الفوارق الاجتماعية.
كما تُخصص مساحة مهمة لرصد تطور الاقتصاد الوطني، وما تحقق على مستوى الاستثمار، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، وبرامج دعم التشغيل، إلى جانب التحديات التي واجهتها الحكومة خصوصاً في سياق دولي مضطرب.
تقويم ذاتي للأداء الحكومي
واحدة من النقاط البارزة في هذه الجولات التحسيسية هي ممارسة الحزب لنوع من التقويم الذاتي للأداء الحكومي، سواء في ما نجح أو ما يحتاج إلى تصحيح. ويقدّم قياديو الحزب هذا النهج باعتباره “مسؤولية سياسية وأخلاقية” تسمح بالاقتراب أكثر من المواطنين والتفاعل مع انتقاداتهم وانتظاراتهم.
هذا الأسلوب في التواصل السياسي، الذي يعتمد على النقاش المباشر مع الفاعلين المحليين والمهنيين والمواطنين، يُعدّ من المقاربات التي قلّما اعتمدتها الأحزاب المغربية في استعداداتها الانتخابية السابقة.
رسالة انتخابية مبكرة
ورغم أن الحزب يقدّم هذه اللقاءات في إطار التواصل المستمر، إلا أنّ المتابعين يعتبرونها استعداداً مبكراً للانتخابات التشريعية لسنة 2026. فالتركيز على حصيلة الحكومة، والتذكير ببرنامج الحزب الذي قدّمه للناخبين قبل انتخابات 2021، وإبراز ما تحقق منه، كلها عناصر تدخل في صلب المعركة الانتخابية المقبلة.
ويبدو أن الحزب يسعى من خلال هذا العمل المنظم والمبني على دراسات ميدانية إلى تحسين صورته السياسية وتعزيز حضوره في الجهات، في سياق منافسة قوية مع باقي القوى السياسية.
رهان على مراتب متقدمة في 2026
تشير المعطيات السياسية الحالية إلى أن حزب التجمع الوطني للأحرار يراهن بوضوح على الحفاظ على موقعه المتقدم في المشهد الحزبي، بل إن عدداً من مسؤولي الحزب لا يخفون ثقتهم في إمكانية عودته لقيادة الحكومة المقبلة، استناداً إلى ما يرونه حصيلة “واقعية” وبرنامجاً اجتماعياً يعتبرونه الأوسع في تاريخ الحكومات المغربية.
لكن هذا المسار يبقى مرتبطاً بعوامل متعددة؛ منها قدرة الحزب على إقناع الناخبين بجدوى سياساته، ومدى تجاوب فئات واسعة مع خطاب التجمعات التحسيسية، إضافة إلى المناخ الانتخابي العام الذي قد يعرف تغيرات واضحة خلال السنتين المقبلتين.
تُظهر التجمعات التحسيسية لحزب التجمع الوطني للأحرار انتقالاً نحو نمط جديد من التواصل السياسي يقوم على عرض الحصيلة بالأرقام، وممارسة التقويم الذاتي، وفتح النقاش مع المواطنين. ومع اقتراب استحقاقات 2026، يبدو أن الحزب يعوّل كثيراً على هذا النهج لإعادة بناء الثقة وتوسيع قاعدة التأييد، في مسار قد يمهّد له لاحتلال مراتب متقدمة وربما قيادة الحكومة مجدداً، إن حافظ على نفس الإيقاع وتطور أداؤه التنظيمي والتواصلي.