شهدت الحلقة الأخيرة من برنامج “مباشرة معكم” على القناة الثانية دوزيم نقاشاً محتدّاً حول مشروع قانون الصحافة المعروض حالياً على مجلس المستشارين، وذلك بحضور شخصيات ذات صلة مباشرة بالملف، من بينها:
-
محمد المهدي بنسعيد، وزير الاتصال والثقافة والشباب؛
-
محتات الرقاص، رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف؛
-
عبد الكبير أخشيشن، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية؛
-
عبد الله البقالي، مدير جريدة العلم وفاعل نقابي معروف داخل الوسط الإعلامي.
ورغم أن الحلقة كان يُفترض أن تُجيب عن أسئلة مهنية وتشريعية حول مسار إصلاح قانون الصحافة، إلا أن ما استرعى انتباه المتابعين هو الاحتقان الواضح والتوتر البارز بين وزير الاتصال ورئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، إلى درجة طغت فيها الاتهامات المتبادلة على الجوهر القانوني للنقاش.
نقاش قانوني غائب وصراع مؤسساتي حاضر
كان الهدف المعلن للحلقة هو تسليط الضوء على التعديلات المقترحة في قانون الصحافة وتأثيرها على مهنة الصحافة وعلى مستقبل المشهد الإعلامي المغربي. لكن النقاش انجرّ سريعاً إلى مواجهة كلامية مباشرة بين الوزير ورئيس النقابة، حيث تبادلا اتهامات تتعلّق بتأويل المواقف، واتهامات المسؤوليات، وحدود تدخل كل طرف في الشأن الإعلامي.
هذا الصدام جذب الاهتمام لأنه يعكس توتر العلاقة بين السلطة التنفيذية والهيئات المهنية، رغم أن الدستور المغربي —وخاصة في مادته الثامنة— أعطى للنقابات مكانة واضحة باعتبارها طرفاً أساسياً في الدفاع عن المهن وتمثيل أعضائها.
ورأى العديد من المتابعين أن هذا التوتر لم يكن ضرورياً، خاصة أمام جمهور كان ينتظر فهماً أوضح لمضامين القانون، وخلاصات تساعد على تبديد الغموض الذي يحيط بالمشهد الإعلامي.

اتهامات متبادلة على حساب مضمون القانون
بدل الدخول في جوهر الإشكالات المرتبطة بآليات التنظيم الذاتي، وسبل دعم الصحافة، وشروط الممارسة المهنية، وهيكلة المقاولات الإعلامية، غلب على الحوار:
-
تبادل التأنيب والاتهام بين الوزير ورئيس النقابة؛
-
انتقاد متواصل لأدوار كل طرف؛
-
وتلميحات إلى “من يملك شرعية تمثيل الصحافيين” ومن يتحكم في القرار الإعلامي.
هذا الاحتكاك جعل المضمون التشريعي، الذي كان يفترض أن يكون محور البرنامج، يتراجع إلى الخلف لصالح السجال الشخصي/المؤسساتي.
خلاصة الحلقة: القانون مستمر… دون نتائج واضحة من النقاش
رغم حرارة المواجهة وطول النقاش، فإن الحلقة لم تخرج بخلاصة عملية بخصوص مصير القانون أو تفاصيل تعديلاته.
المؤكد كما ورد في نهاية البرنامج هو أن مسار القانون سيستمر داخل مجلس المستشارين، وأن المؤسسات التشريعية هي التي ستحسم مستقبله، بعيداً عن التوتر الذي طبع النقاش التلفزيوني.
ولم يُسجَّل أي توافق مهني أو سياسي بين الأطراف الحاضرة، ما جعل العديد من المتابعين يعتبرون أن البرنامج كان فرصة ضائعة لإعادة الثقة في حوار مؤسساتي رصين حول مستقبل الصحافة المغربية.
بين السلطة التنفيذية والنقابة: سؤال حدود الأدوار
المواجهة بين وزير يمثل السلطة التنفيذية، ورئيس نقابة تمثل سلطة مهنية نص عليها الدستور، طرحت سؤالاً عميقاً حول:
-
حدود تدخّل الحكومة في قطاع إعلامي يفترض أن يكون مستقلاً؛
-
ودور النقابة في الدفاع عن الصحافيين دون تحويل النقاش إلى صراع شخصي؛
-
وكيف يمكن تحقيق توازن سليم بين المأسسة المهنية والقرار العمومي.
وهو سؤال أكبر من الحلقة نفسها، ويفتح الباب أمام نقاش وطني حول طبيعة العلاقة بين الدولة والنقابات المهنية في زمن التحولات الرقمية والإعلامية.
حلقة “مباشرة معكم” لم تقدّم إجابات بقدر ما كشفت هشاشة الحوار بين الأطراف المسؤولة عن صياغة مستقبل الإعلام.
ومع أن القانون سيواصل مساره التشريعي بشكل طبيعي داخل مجلس المستشارين، فإن مواجهة أمس أظهرت أن الحاجة ملحّة إلى حوار هادئ ومسؤول يعيد ترتيب العلاقة بين الفاعلين، بعيداً عن الانفعال، وبما يليق بمهنة الصحافة وأدوارها الدستورية.