رأي في حدث يكتبها:حسن الخلقي
شكّل حفل افتتاح الدورة الخامسة والثلاثين لكأس إفريقيا للأمم بالمغرب لحظة استثنائية، تجاوزت بعدها الرياضي إلى أبعاد حضارية وثقافية وتنظيمية، أكدت مرة أخرى أن المملكة المغربية باتت رقماً صعباً في معادلة تنظيم التظاهرات الدولية الكبرى. افتتاح مبهر، أذهل المتابعين داخل القارة الإفريقية وخارجها، وحظي بإشادة واسعة من كبريات القنوات العالمية من مختلف القارات، التي وصفت الحدث بـ”الراقي” و”الاحترافي” و”المنظم وفق أعلى المعايير الدولية”.

لقد كان ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط عنواناً لهذه الروعة؛ جماهير غفيرة فاقت 60 ألف متفرج غصّت بها جنبات الملعب، في لوحة إنسانية وتنظيمية نادرة، حيث ولج كل متفرج إلى مكانه المخصص بسلاسة وانضباط، في احترام تام للتدابير الأمنية والتنظيمية المعتمدة. وهو ما يعكس عملاً استباقياً دقيقاً، وتنسيقاً محكماً بين مختلف المتدخلين، من سلطات محلية وأمنية ومنظمين ومتطوعين.
أما الأصوات التي حاولت التقليل من قيمة هذا الافتتاح، عبر الحديث عن “فراغ” في بعض جنبات الملعب أو المزايدة بأرقام مغلوطة، فهي أصوات معزولة، لا تصمد أمام المعطيات الواقعية. فحين يكون الحضور الجماهيري قد تجاوز 60 ألف متفرج، في ملعب طاقته الاستيعابية القصوى تبلغ 68.700 مقعد، فإن الحديث عن فشل أو فراغ لا يعدو أن يكون قراءة سيئة النية أو محاولة بائسة لركوب موجة الانتقاد المجاني. وهي انتقادات لا تنطلق من تقييم موضوعي، بقدر ما تعكس موقفاً مسبقاً معادياً لنجاحات المغرب.
الحقيقة أن حفل الافتتاح لم يكن مجرد عرض فني أو بروتوكولي، بل كان رسالة واضحة للعالم: المغرب يمتلك اليوم بنية تحتية رياضية حديثة، وخبرة تنظيمية متراكمة، ورؤية استراتيجية جعلته قادراً على احتضان أكبر التظاهرات القارية والدولية بثقة واقتدار. وهو مسار لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة اختيارات استراتيجية كبرى، ورعاية سامية متواصلة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، باني المغرب الحديث، الذي جعل من الرياضة رافعة للتنمية، وأداة لتعزيز إشعاع المملكة قارياً ودولياً.
إن نجاح افتتاح كأس إفريقيا للأمم في دورتها الخامسة والثلاثين ليس حدثاً معزولاً، بل حلقة جديدة في سلسلة من النجاحات التي يحققها المغرب على مختلف الأصعدة: تنظيمياً، دبلوماسياً، اقتصادياً، وثقافياً. أما محاولات التشويش، فلن تغيّر من الحقيقة شيئاً، لأن الواقع أقوى من المزايدات، وصورة المغرب المشرق باتت راسخة في أعين العالم.
والمغرب، كما أثبت في هذا الافتتاح، ماضٍ بثبات في طريق النجاح، لا يلتفت إلى الخلف، ولا يتوقف عند أصوات النشاز، لأنه اختار منذ زمن أن يصنع المجد بالفعل، لا بالضجيج.