تعيش الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية على وقع إشكال بنيوي مزمن يتمثل في إبقاء المحافظين المساعدين على حالهم دون إخضاعهم لحركة انتقالية دورية ومنصفة، على غرار ما يتم مع باقي فئات المسؤولين. فباستثناء حركة محتشمة طالت بعض المحافظات بالدار البيضاء والرباط، ما تزال فئة المحافظين المساعدين بمنأى عن أي تغيير يضع حداً لما أضحى يُنعت في الأوساط المهنية والحقوقية بـ”جزر النفوذ الصغير” داخل المؤسسات العقارية.
 
 الواقع يكشف أن عدداً من المحافظين المساعدين أضحوا متجذرين في مناصبهم، بل إن بعضهم نسج شبكات نفوذ محلية، مع ما يصاحب ذلك من تضارب مصالح خطير، خاصة حين يتواجد هؤلاء داخل مناطق ينتمون إليها قبلياً أو عائلياً، وهو ما يُذكي الصراعات ويُفقد الإدارة حيادها المفترض. بل إن شكاوى عديدة ترددت حول امتلاك بعضهم لعقارات وسيارات بشكل مثير للجدل، ما يطرح علامات استفهام حول مصادر هذه الثروات في غياب آليات فعلية للمراقبة والمحاسبة.
 
 الأخطر من ذلك أن سلوكيات بعض المحافظين المساعدين وصلت إلى درجة إغلاق مكاتبهم في وجه المرتفقين، والتماطل في معالجة الملفات العقارية، خصوصاً تلك المتعلقة بآجال التحديد الإداري التي حددها المشرع في ثلاثة أشهر بعد نشر الإعلانات بالجريدة الرسمية. وهو خرق صريح للقانون يفرغ مقتضياته من محتواها، ويُحوّل الإدارة من فضاء لتكريس الحقوق إلى مجال للانتظار اللامنتهي.
 
 هكذا يتحول المواطن والمهني على حد سواء إلى رهينة لمزاجية المحافظ المساعد، في غياب أي رادع إداري أو مساءلة حقيقية. وهذا الوضع إن استمر، فإنه يهدد سمعة الوكالة الوطنية التي يُفترض فيها أن تكون مؤسسة نموذجية في مجال الحكامة العقارية وحماية الملكيات، لا بؤرة للاحتقان.
 
 اليوم، بات واضحاً أن المدير العام للوكالة مطالب بالتدخل العاجل لفرض حركة انتقالية شاملة تشمل المحافظين المساعدين، وتضع حداً لعلاقات التموقع والجمود التي تُطبع هذه الفئة. فالحركة الانتقالية ليست مجرد آلية إدارية شكلية، بل هي أداة لتجديد الدماء وضمان الحياد والشفافية ومنع تضارب المصالح.
 
 إن ترك الأمور على حالها سيؤدي لا محالة إلى تفاقم السلوكيات اللامسؤولة، واستفحال التوتر بين المرتفقين والإدارة، بل وربما ضرب ثقة المواطن في مؤسسة تلعب دوراً محورياً في تثبيت الأمن العقاري والاستقرار الاجتماعي.
 
 إنها لحظة مفصلية تتطلب جرأة القرار أكثر من أي وقت مضى: إما أن تتحرك الوكالة نحو إصلاح داخلي جريء يعيد الانضباط والشفافية، أو أن تُترك الساحة للفوضى الإدارية التي لا يخسر فيها سوى المواطن البسيط الباحث عن حقه المشروع في الأمن العقاري.
 
  				 
			
			
								
				
 
 
 
			
					شاهد أيضا
		
	
	
					تعليقات الزوار
		
	
	 
			
