بقلم: حسن الخلقي
يثير موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من قضية الصحراء المغربية أكثر من علامة استفهام، ليس فقط بسبب انحيازه الواضح للأطروحة الجزائرية، بل لأن هذا الموقف يعكس انزياحًا خطيرًا عن جوهر القضية التي من المفترض أن تكون بوصلة الجبهة الأولى والأخيرة: فلسطين.
فخلال إحياء الذكرى الأربعين لتأسيس الجبهة، خرج نادر القيسي، ممثلها بالجزائر، بتصريحات سياسية تتماهى بشكل حرفي مع خطاب النظام العسكري الجزائري بخصوص الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وكأن الجبهة تحولت من حركة تحرر فلسطينية إلى ملحق دعائي ضمن أجندة إقليمية لا تمت بصلة لفلسطين ولا لمعاناة شعبها.
من خطاب التحرر إلى خطاب الارتزاق السياسي
ليس جديدًا أن يستثمر النظام العسكري الجزائري في قضايا خارجية لتغطية أزماته الداخلية وفشله المزمن في بناء دولة مؤسسات، لكن المستغرب – والمخجل في الآن ذاته – أن تنخرط تنظيمات تدّعي النضال من أجل التحرر في هذا الاستثمار الرخيص، مقابل التموقع في حضن السلطة العسكرية والاقتات من فتاتها السياسية واللوجستية.
إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عبر ممثلها في الجزائر، اختارت الاصطفاف إلى جانب أطروحة انفصالية مرفوضة دوليًا، ومتجاوزة بحكم تطور الموقف الدولي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وهو موقف لا وزن له دبلوماسيًا ولا تأثير له سياسيًا، ولا يغير شيئًا في مسار قضية الصحراء التي حُسمت عمليًا لصالح المغرب في المنتديات الدولية.
فلسطين أولًا… أم الجزائر أولًا؟

السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه:
ما الذي يربط ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقضية الصحراء المغربية؟
وأي منطق سياسي أو أخلاقي يسمح له بتجاهل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والدم الفلسطيني النازف يوميًا، والانخراط بدل ذلك في خطاب عسكري جزائري موجّه ضد دولة عربية؟
كان الأجدر بنادر القيسي أن يكون حاضرًا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، في غزة، في القدس، في الضفة الغربية، لا في صالونات العسكر الجزائري، ولا في مناسبات تُستغل لتصفية حسابات إقليمية لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية.
موقف بلا قيمة ولا صدى
إن مواقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من قضية الصحراء المغربية لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا تجد لها صدى لا داخل الأمم المتحدة، ولا داخل العواصم المؤثرة، ولا حتى داخل الرأي العام العربي الذي بات يميّز جيدًا بين القضايا العادلة والتوظيف السياسي الرخيص.
فالوحدة الترابية للمغرب ليست موضوع مساومات أيديولوجية، ولا ورقة ضغط في يد تنظيمات فقدت وزنها وتأثيرها، وتحولت إلى أصوات هامشية تكرر ما يُملى عليها من خلف الكواليس العسكرية الجزائرية.
إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بمواقفها الأخيرة، لا تسيء للمغرب بقدر ما تسيء إلى نفسها وإلى تاريخها، وتضع علامات استفهام كبرى حول استقلالية قرارها، وصدق خطابها، وموقعها الحقيقي في معركة التحرر.

أما المغرب، فماضٍ في الدفاع عن وحدته الترابية بثقة الشرعية التاريخية والدعم الدولي المتنامي، غير آبه بمواقف معزولة، صادرة عن أطراف اختارت الارتهان للعسكر بدل الانتصار لقضايا الشعوب الحقيقية.