الإقبال الكثيف على تطبيقات الخدمات المصرفية عبر الهاتف يعزز “الشمول المالي” بموريتانيا

نواكشوط – / رضوان البعقيلي/ “بنكيلي” ، “سداد”، “مصرفي”، “ريم بنك”… عينة من قائمة طويلة لتطبيقات مصرفية موريتانية تقدم خدمات بواسطة الهاتف المحمول، وأضحت بفضل انتشارها المنقطع النظير، عنوانا لـ “الشمول المالي” وقصة نجاح في “دمقرطة” الولوج إلى المعاملات البنكية والمالية.

  وتكفي جولة في أحياء نواكشوط “الراقية” منها و”الشعبية” النابضة بالحياة، للوقوف على حجم تداول هذه التطبيقات التي باتت كلمة السر في تدبير شؤون المواطنين الحياتية، إذ لا يكاد يخلو شارع أو زقاق من ملصقاتها التي تتصدر واجهة المساحات التجارية الكبرى والدكاكين الصغيرة، وكذا المطاعم والمقاهي ومحلات الحلاقة والعديد من المرافق الأخرى.

وأضحت هذه التطبيقات المصرفية أيضا، خيارا لا محيد عنه بالنسبة لممتهني مختلف الحرف (الخياطة ، السباكة، البناء…) وكذا الباعة المتجولين وسائقي سيارات الأجرة، لما تتيحه من مزايا ولاسيما التحويل والتحصيل الآني للأموال، مما أضفى سلاسة على التعامل مع الزبناء.

يقول المامي أحمد وهو شاب يمتهن حرفة الخياطة في منطقة شهيرة بحي تفرغ زينة ، إن ظهور التطبيقات المصرفية الهاتفية “أحدث تحولا جذريا ويسّر التعامل مع الزبناء بشكل كبير، لاسيما النساء منهم، إذ تتيح تحويل أي مبلغ مالي مهما كان زهيدا وبشكل فوري، مع إمكانية سحب المبالغ المحصل عليها بسهولة من الوكالات التجارية المنتشرة على نطاق واسع”.

وعلى غرار نظرائه المنتشرين بشكل لافت في أحياء نواكشوط حيث تباع (الملحفة)، وهي زي تقليدي ترتديه النساء ، يزين المامي آلة الخياطة، مورد رزقه، بملصق لأحد التطبيقات المصرفية مرفقا برقمه الهاتفي المرتبط بالتطبيق، في مشهد يعكس بوضوح تبني فئات وشرائح مختلفة لهذا الأسلوب الحديث في تقديم الخدمات المالية.

ويؤكد الشاب الموريتاني أن هذه التطبيقات “جعلت المعاملات المالية والمصرفية في متناول الحرفيين البسطاء والفئات محدودة الدخل. وهذا الأمر كان ضربا من الخيال قبل بضع سنوات”.

ما عبر عنه هذا الحرفي يتقاطع مع إفادات عمال وحرفيين بإحدى نقاط تجمعهم وسط نواكشوط ، حيث أجمعوا على أن هذه التطبيقات المصرفية فرضت نفسها وأضحت الوسيلة المفضلة للتعامل مع الزبناء وتحصيل الأجر.

بلغة الأرقام، تؤكد المعطيات الصادرة عن الهيئات المشرفة على القطاع المالي في موريتانيا وفي مقدمتها البنك المركزي، اكتساح هذه التطبيقات لكل أصناف المعاملات، موفرة بذلك بديلا للأوراق النقدية التي أصبح التعامل بها “استثناء” في بلاد شنقيط.

وفي هذا السياق، كشف البنك المركزي الموريتاني في أحدث تقرير له عن إجراء 557.67 مليون معاملة، عبر مختلف منصات الخدمات المالية الرقمية خلال الفترة ما بين 12 يونيو 2024 و 16 ماي 2025، بمبلغ إجمالي قارب 2000 مليار أوقية (1درهم مغربي يعادل 4 أوقيات موريتانية).

وأوضح التقرير أن التحليل حسب نوعية المعاملات يكشف عن هيمنة التحويلات التي تمثل 81.89 في المائة من إجمالي العمليات، مما يؤكد دورها المركزي في الاستخدامات اليومية للخدمات الرقمية، تليها الودائع بنسبة 11.58 في المائة، ثم السحوبات بنسبة 4.51 في المائة، فيما تمثل العمليات الأخرى (دفع الفواتير، إعادة الشحن، مدفوعات التجار، إلخ)  2.02 في المائة فقط من الحجم الإجمالي.

وفي ما يتعلق بالتوزيع، حسب المزود بالخدمة، يفيد التقرير بأن محفظة “بنكيلي” تعد الوسيلة الرئيسية للمعاملات، حيث يتركز بها 77 في المائة من إجمالي المعاملات المسجلة، تليها “سداد” بنسبة 10 في المائة، و” مصرفي” بنسبة 8.84 في المائة ، في حين تتقاسم المحافظ والحلول الأخرى النسبة المتبقية التي تبلغ 4.16 في المائة.

وكانعكاس للطفرة في استخدام التطبيقات المصرفية الهاتفية، شهدت العمولات الصافية نموا ملحوظا، حيث ارتفعت من3.177 مليار أوقية في عام 2023 إلى 4.005 مليار أوقية في عام 2024 ، أي بزيادة قدرها 26 في المائة وهو ما يعكس ، حسب التقرير، “توسع الخدمات البنكية وتكثف العمليات المولدة للعمولات”.

ولم تكن التحولات التي يشهدها القطاع المالي والمصرفي في موريتانيا، والتي يرسم الاستخدام الواسع للتطبيقات المصرفية الهاتفية ملمحا صغيرا عنها،  ثمرة تطور تلقائي، بل ثمرة سياسات اعتمدت قبل بضع سنوات وبدأت تؤتي أكلها.

ويشرف البنك المركزي الموريتاني في هذا الإطار على تنزيل ثلاث استراتيجيات لتحديث القطاع المالي تهم “الاستراتيجية الوطنية للإدماج المالي” الرامية إلى ضمان الولوج إلى خدمات مالية ذات جودة، وميسورة التكلفة في أفق تحقيق معدل إدماج مالي لا يقل عن في 63 في المائة بحلول 2028 ، وكذا “الاستراتيجية الوطنية للمدفوعات الرقمية” الهادفة إلى جعل المدفوعات الرقمية رافعة للشمول المصرفي، وشفافية التدفقات الاقتصادية، وتقليص الاعتماد على النقد، ثم “الاستراتيجية الوطنية للتهذيب المالي”، التي ترتكز على “تعزيز المعارف المالية للمواطنين وتمكينهم من اتخاذ قرارات مستنيرة في استخدام الخدمات المالية”.

 

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد