إعلام مُسَخَّر… لا مُحَرِّر: كيف ابتلعت المخابرات الجزائرية الصحافة وحوّلتها إلى جهاز من أجهزة الدولة العميقة
لم يعد المشهد الإعلامي الجزائري يترك مجالًا للشك. فاليوم، أكثر من أي وقت مضى، صار واضحًا أن الصحافة هناك لم تعد سلطة رابعة ولا حتى ظلّ سلطة. لقد تحوّلت — بفعل إرادة معلومة — إلى ذراع تنفيذية داخل ماكينة التوجيه العسكري، وإلى أداة تُستعمل عند الحاجة لإطلاق النار الدعائي، متى أُعطي الأمر، وكيفما تمّ رسم السيناريو.
لم تعد المؤسسات الإعلامية الجزائرية مستقلة… بل مُلحقات.
لم تعد غرف الأخبار تصنع مضمونها… بل تستقبله جاهزًا.
لم تعد الصحافة تناقش الدولة… بل تخدم الدولة العميقة.
وكالة الأنباء الجزائرية: وكالة رسمية… بخطاب غير مدني
هي اليوم أكثر قربًا من جهاز مخابراتي منها إلى مؤسسة إعلامية.
لغة الأخبار، ترتيب الأولويات، الهجمات الممنهجة، المصطلحات العسكرية الجاهزة… كلها تؤكد أن الوكالة فقدت آخر خيط يفصلها عن الهيمنة الأمنية.
إنها لم تعد تُخبر… بل تُعبّئ.
لا تنقل… بل تُحرّض حين يُطلب منها ذلك.
وكأن وظيفتها الأساسية أصبحت تكرار ما يملى عليها، لا ما يهمّ المواطن الجزائري.
القنوات التلفزية: استوديوهات تعمل بأوامر العمليات
المتابع للقنوات العمومية والخاصة يكتشف أنها تتحرك جميعًا وفق سيناريو واحد:
خطاب مبني على الخوف، التجييش، اختلاق الأعداء، وخلق حالة تهديد دائم.
ما يُبث ليس إعلامًا… بل “رسائل عملياتية”
مُعلّبة، مُجهزة، مُنَسّقة، تستهدف صناعة وعي معيّن لا علاقة له بالواقع.
لقد اختفت الأسئلة الحقيقية:
أين الاقتصاد؟ أين البطالة؟ أين الفساد؟ أين حقوق المواطن؟
كل ذلك اختفى تحت سيل من البلاغات العسكرية الملمّعة.

الصحافة المكتوبة والرقمية: أقلام مُحاصرة بالإشهار والتهديد
جرائد تُمنع لأنها لم تصفق بما يكفي.
مواقع تُخنق لأنها طرحت سؤالًا في غير وقته.
صحافيون يُراقبون لأنهم حاولوا ممارسة مهنتهم.
إنه مشهد لا يترك مجالًا للالتباس:
الإشهار العمومي تحوّل إلى سلاح،
والبقاء الإعلامي أصبح امتيازًا لا يناله إلا من “بايع الخط التحريري العسكري”.
قنوات الجيش: الخطاب الرسمي بدون مكياج
ظهور قنوات مرتبطة مباشرة بالمؤسسة العسكرية جعل الأمور أكثر وضوحًا:
لم يعد هناك أي تخفٍّ، ولا أي مجهود لتقديم خطاب مهني.
إنه الإعلام العسكري الصريح، بلا زخرفة، بلا حياد، بلا توازن.
إعلام مهمته واحدة:
تعميم الرواية الرسمية، وإقصاء كل صوت خارج السرب.
النتيجة: إعلام يصرخ كثيرًا… ويقنع قليلًا
رغم كل الضجيج، يتراجع التأثير.
ورغم التكرار، تتآكل المصداقية.
الإعلام الذي يعمل بالريموت كنترول يسقط في النهاية من أعين الجمهور، مهما علت نبرة صوته.
المفارقة أن هذه الهيمنة لا تحمي استقرارًا… بل تكشف هشاشة.
ولا تبني صورة دولة… بل ترى العالم ينظر بريبة إلى إعلام يوصف بأنه أحد أكثر المنظومات عسكرة في المنطقة.
المنظومة كلها تحتاج إلى تحرير… لا المزيد من الأسر
لن تستعيد الجزائر إعلامًا يحترمه الداخل والخارج إلا إذا أعادت للصحافة وظيفتها الطبيعية:
-
رقابة السلطة لا خدمتها
-
مساءلة القرار لا التبرير له
-
صناعة المعلومة لا استقبالها من “جهات فوقية”
الإعلام ليس كتيبة، ولا ثكنة، ولا مكتبًا داخل جهاز الأمن.
والصحافة التي تتخلى عن دورها… تتحول إلى أداة بين أيدي من يكتبون النص خلف الستار.