الفساد الإداري… سرطان ينخر جسد الإدارات المغربية

في الوقت الذي تنادي فيه الخطابات الرسمية بضرورة تخليق الحياة العامة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ما تزال بعض الإدارات والمؤسسات العمومية بالمغرب تعيش على إيقاع الفساد الإداري، في أبشع صوره وأخطر تمظهراته.

من مصالح الضرائب التي يتلاعب فيها بعض الموظفين بملفات المواطنين مقابل “الإكراميات”، إلى المحافظات العقارية حيث تتحول الإجراءات الإدارية البسيطة إلى متاهة لا تنتهي إلا برشوة مستترة أو وساطة مشبوهة، مرورا بـ الجماعات المحلية التي أصبحت في بعض المناطق أوكارا للزبونية والمحسوبية وتبادل المنافع على حساب الصالح العام.

أما قطاع الصحة، فحدّث ولا حرج… مستشفيات متهالكة، معدات مفقودة، وأطر طبية نزيهة تكابد وسط منظومة يطغى عليها سوء التدبير والفساد المالي والإداري. المواطن المغربي البسيط، الذي يبحث عن دواء أو موعد طبي، يجد نفسه وجها لوجه أمام إدارة لا تعرف الرحمة ولا تعرف معنى الواجب الوطني.

وإذا انتقلنا إلى كتابات الضبط بالمحاكم، نجد أن العدالة نفسها أصبحت رهينة بطء المساطر، وضياع الملفات، و”الوساطة” التي تفتح الأبواب المغلقة لمن يدفع أكثر. العدالة التي هي أساس الحكم، باتت في بعض المكاتب سلعة تفاوض، تُباع وتُشترى بأبخس الأثمان.

حتى العمالات والولايات، التي يُفترض أن تكون قدوة في الشفافية والانضباط، لم تسلم من الفساد الإداري. بعض الأقسام أصبحت مرتعا للانتفاعيين والمتملقين، وفضاء لتضارب المصالح والقرارات الانتقائية. المواطنون يشتكون من تعقيد المساطر وطول الانتظار، وكأن الإدارة وُجدت لتعذيبهم لا لخدمتهم.

إن الفساد الإداري لم يعد مجرد حالات معزولة، بل أصبح ثقافة متجذّرة في بعض المؤسسات، تُفرخ الإحباط، وتقتل روح الوطنية، وتضرب في الصميم ثقة المواطن في دولته ومؤسساتها.

لقد حان الوقت لوقفة حقيقية، لا شعاراتية، لمحاربة هذا الورم الخبيث الذي ينخر جسد الوطن. لا بالتقارير ولا باللجان المؤقتة، بل بالمحاسبة الصارمة، وربط المسؤولية بالعقوبة قبل الامتياز.
فمن العيب والعار أن تبقى الإدارة المغربية في القرن الواحد والعشرين أسيرة عقليات القرون الوسطى، بينما ينادي جلالة الملك محمد السادس نصره الله، منذ سنوات، بإصلاح الإدارة وجعلها في خدمة المواطن.

الفساد الإداري ليس قدرا، بل هو جريمة في حق الوطن والمواطنين، ولن يزول إلا إذا تحركت الإرادة السياسية والقضائية والرقابية، وتكاتف الجميع — دولة وشعبا — لإعادة الاعتبار للإدارة العمومية المغربية… إدارة تخدم لا تُخدَم، وتُكرِّم المواطن لا تُهينه.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد