يكتبها: حسن الخلقي
من يتأمل المشهد السياسي في الجزائر اليوم، لا يمكنه إلا أن يقف مذهولاً أمام مستوى العداء الأعمى الذي طبع سياسة الرئيس عبد المجيد تبون تجاه عدد من الدول العربية والإفريقية وحتى الأوروبية. سياسة مبنية لا على رؤية دبلوماسية أو مصالح وطنية، بل على نزوات حزب العسكر وتوجيهات المخابرات الجزائرية بقيادة المعتوه شنقريحة، الذي جعل من الجزائر رهينة في يده وفي يد لوبيات داخلية لا ترى في الدولة سوى وسيلة لتصفية حسابات إقليمية عبثية.
منذ استقلال الجزائر، لم يعرف هذا البلد العربي الطيب مثل هذا الزخم من العداء إلا في عهد تبون وشنقريحة.
عداء مع دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب مواقفها السيادية الحرة.
عداء مع مالي والنيجر بذريعة الوجود الفرنسي.
عداء حتى مع فصائل ليبية لا لشيء سوى لأن الجزائر فقدت بوصلتها في المنطقة.
عداء مع فرنسا وإسبانيا، بعدما كانت شريكتين اقتصاديتين قويتين.
أما العداء الأكبر والأعمى، فهو مع المغرب، البلد الذي لم يبادله يوماً سوى دعوات إلى الحوار وحسن الجوار.
لقد جعل تبون من الجزائر دولة معزولة دولياً، لا حلفاء حقيقيين لها، ولا صوت يحترمها في المنتديات الإقليمية. سياساته المرتبكة والمتناقضة حولت الجزائر إلى نظام مملوك عالمياً، تتقاذفه القوى الكبرى كأداة ضغط، بعدما فقدت القيادة الجزائرية مصداقيتها وهيبتها، بسبب ولائها التام لعقلية العسكر التي لم تغادر ثكناتها منذ 1962.
وإذا كان شنقريحة هو الحاكم الفعلي، فإن تبون لا يعدو أن يكون واجهة مدنية لسلطة عسكرية متحجرة، لا تطيق رؤية المغرب مستقراً ومزدهراً. فكل من يعترف بمغربية الصحراء أو يدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي، الذي أقرته أكثر من 120 دولة داخل الأمم المتحدة، يصبح عدوّاً لدولة العسكر!
هل هذه هي الدبلوماسية؟ أم هي سياسة قطع الأرحام مع الجوار ونسف الجسور مع العالم؟
لقد فقد النظام الجزائري اليوم أي منطق في التعاطي مع محيطه، وبدل أن يوجه طاقاته لخدمة الشعب الجزائري الذي يئن تحت وطأة الفقر والبطالة والفساد، اختار أن يصرف أنظاره نحو قضايا لا تعنيه، ويستثمر في أوهام التحرير الوهمية في الصحراء المغربية.
إن التاريخ لن يرحم عبد المجيد تبون ولا عرابه شنقريحة، لأنهما حوّلا الجزائر من بلد المليون ونصف شهيد إلى بلد المليون خصومة، ومن دولة طموحة إلى دولة مأزومة، تسيرها عقلية العسكر لا منطق الدولة.